استيقظ الحقل الفني هذا العام على واقع جديد يتطلب منا كفنانين، قيّمي معارض ومديري المؤسسات الفنية والثقافية وأكاديميات الفنون استدراك التغييرات الحاصلة في واقعنا اليومي ومواجهتها بشكل يختلف عما سبق. تكمن أهمية الحقل الفني بتفاعل الفنان مع جمهوره جسدياً، سواء من خلال عرض أعماله، التعبير عن نفسه أدائياً، أو استخدام وسائط مختلفة، تحولت مؤخرًا إلى أبعاد أحادية محصورة على الشاشات.
لعبت جائحة الكورونا دوراً مفصلياً في المجال الفني عالمياً، إلا أن تأثيرها كان مضاعفاً على المشهد الفني الفلسطيني بسبب معاناته من معيقات أخرى تتمثل بشح مساحات العرض، والنقاد، والميزانيات، ومتذوقي الفنون، بالإضافة إلى السياسات المحلية التي تعيق تبلور مشهد فني متكامل. رغم كل هذه التعقيدات والحواجز المرئية وغيرها، نرى في صالة العرض "المركز" للفنون المعاصرة أن دورنا يتمثل في تسليط الضوء على أهمية استمرار النشاط الفني والثقافي في وجه الظروف المهمِّشة له من أجل تجاوز هذه الأزمة ودعم كافة الفنانات والفنانين الشباب والمعاصرين.
نحن في صالة العرض "المركز" للفنون المعاصرة مسرورون من أن معرض "يُعاد" قد أصبح بمثابة طقس سنوي تقيمه الصالة كأحد أنشطتها الفنية السنوية التفاعلية، ما يتيح للجمهور المقدسي المشاركة في السيرورة مباشرةً من خلال الاطلاع على أعمال الفنانين وبناء الحوار حول ماهيّة الفنون وتعزيز مكانة النقد الفني وأهميته في
الثقافة المحلية.
أثار المعرض بعض الإشكاليات أيضاً (التمويل، المؤسسة، والتقسيم الجغرافي) للفنانين الفلسطينيين، حيث طرحت هذه الأسئلة لأول مرة بشكل واضح وصريح في سياق الفن الفلسطيني والمقدسي.
هذه اللحظات التي يقرر فيها الفنانون الشباب خوض التجربة الفنية ويختارون عرض أعمالهم ضمن الأطر المختلفة هي لحظات مصيرية مفصلية يعملون خلالها كفنانين وليس كطلاب، ويعول المشهد الفني على رشدهم و درايتهم بتعقيداته وتغلب المحسوبية السياسية فيه على المشهد. ما أقصده بالسياسة هو صراعات القوى بين جيل الفنانين الشباب وبين المؤسسات، صالة العرض والفنانين المتقدمين حيث لا تخلو هذه الصراعات من استخدام آليات المزاودة والتحليل والتحريم العبثية.
يختلف المعرض هذا العام كلياً عن سابقه نظراً للظروف الحالية. يحتوي المعرض على مجموعة من أعمال الخريجين الجدد التي حازت على إعجاب منسقة المعرض وطاقم صالة العرض المركز خلال زيارتهم الأخيرة لمعارض الخريجين من مختلف كليات الفنون والتصميم في البلاد. يخط هذا المعرض بحلته الجديدة التي تتكون من مسرد "كتالوج" وموقع ويب هو بمثابة الخطوة الأولى في عالم الفن للخريجين عامةً ولقيمي المعارض خاصةً.
لا يسعني إلا تمني المزيد من النجاح لكافة الخريجين والخريجات. مسيرة فنية ناجحة.
حنا قبطي